أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ..
بسم الله الرحمن الرحيم ..
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله..
لا بد أن أسأل السؤال الذي دائما أبدأ به حلقات التاريخ .. (( لماذا ندرس التاريخ ؟؟ ))
البعض ، من سابق دراسته للتاريخ في المدارس أو الجامعات بأساليب أكاديمية لا تسقط على الواقع ينظر إلى التاريخ على أنه أمور حدثت وانتهت ، وليس لها أثر في واقعنا ، ودائما يقول : أنظر إلى المستقبل ، ولا داعي للنظر إلى الوراء..!
أو لا داعي للبكاء على اللبن المسكوب .!!
لكن واقع الأمر إخواني أن التاريخ ليس كذلك ، التاريخ ثروة هائلة تضاف إلى حياة الإنسان ، أعمار تضاف فوق العمر .
الذي يقرأ التاريخ يضيف خبرات الأمم ، خبرات الزعماء ، خبرات المصلحين ..
بل حتى يضيف التجارب الفاشلة التي مرت في التاريخ ..
هذه تجربة فاشلة ، وهذه تجربة فاشلة .. إذا يجب على أن لا أسلك هذا الطريق .
وأنا أذكر هنا كلمة قالها أديسون عندما كان يخترع المصباح الكهربائي ، جرب مئة طريقة قبل أن يصل إلى الاختراع ..!
واحدة والثانية والثالثة والرابعة والعاشرة ،، ومئة ..!
حتى وصل بعد ذلك لاختراع المصباح الكهربائي..
سأله الناس : ألا تشعر بالإحباط واليأس لأنك فشلت في مرة والثانية والعاشرة ،، وهكذا ..
فقال : أبدا ، إنما أشعر بأمل كبير لأنني عرفت أن هذه الطريقة لا يمكن أن تنتج المصباح الكهربائي ، فلأحاول طريقة أخرى ، وثانية وثالثة . وهكذا ..!
هذه الروح ؛ روح محاولة الاستفادة من الخبرات السابقة ، الاستفادة من الأخطاء السابقة ، الاستفادة من النجاحات السابقة ..تضيف أعمار هائلة إلى عمر الإنسان .
فقراءة التاريخ من هذا المنظور يا إخواني ثروة لا يمكن أبدا أن تقدر بثمن .
من نعم الله عز وجل علينا أنه جعل التاريخ يتكرر!
سنن ثوابت تتكرر ، الأمة تقوم بسنن وثوابت معينة لا يمكن أن تتغير ، وتسقط كذلك بأسس وثوابت معينة لا يمكن أن تتغير.
عندما نقرأ التاريخ نعرف كيف قامت الأمم وكيف سقطت الأمم ، الأمم التي مرت بأزمة مثل أزمتنا الآن ، كيف خرجت منها ، الأمة التي عاشت في ظروف كالظروف التي نعاني منها الآن كيف تعدت هذه الظروف وكيف تعدت المشاكل والأزمات .؟
يقول ربنا عز وجل في كتابه الكريم :
{ فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا } ..
إذا نحن لا نضيع وقتا أبدا حين ندرس التاريخ ، نحن لا نبكي على اللبن المسكوب ، نحن لا نقرأ التاريخ لمجرد المعرفة والتخمة العلمية ..
إنما نقرأ التاريخ لنتحرك في واقعنا وننظر في مستقبلنا ..
لا أبالغ يا إخواني ويا أخواتي إن قلت أنني أستطيع أن أقرأ الواقع الذي نحن مقبلون عليه بدراستي للتاريخ ، نفس الظروف التي مررنا بها ، يمر به غيرنا ، وإذا عرفنا إلى أي طريق سار ، عرفنا إلى أي طريق نحن الآن نسير وإلى أي نتيجة سنصل .
التاريخ المجيد – يا إخواني ويا أخواتي – عزة لصاحبه ، التاريخ المجيد يرفع همة الناس ، الأمة التي تحوي في تاريخها عظماء ومجددين وعلماء وأفاضل وأكارم ، هذه الأمة ترفع رأسها بين الأمم ، هذه الأمة تشعر أن لها جذور ، أن لها أصول ..
أما الأمة اللقيطة التي ليس لها تاريخ ، أو لها تاريخ كله فساد وكله ظلم ، وكله استكبار ، وكله إبادة في الأرض، تاريخ يحمل من الشر أكثر مما يحمل من الخير ،، هذه الأمة لا تستطيع أن تعيش بين الأمم ..
لذلك إذا قرأنا تاريخ أمة ووجدنا فيه الكثير من المصلحين وعرفنا أفراد الأمة بهؤلاء المصلحين فإن هذا بداية طريق إصلاح جديد ..
وليس هناك أمة في تاريخ الإنسانية أفضل من أمة الإسلام ،، ولا نقول هذا الكلام لأننا من المسلمين فقط ، ولكن هذه شهادة الكثير من المنصفين والمحللين والغربيين والشرقيين من غير المسلمين ، الذين قرأوا تاريخ هذه الأمة ..
يقول ( غوستاف لبون ) المفكر والمؤرخ الفرنسي المشهور :
" ليست هناك حضارة أنتجت مثا حضارة الإسلام ، وليس هناك أمة أبرزت من العلماء والمجددين والمصلحين مثل هذه الأمة .." ، ثم قال : " إن أوروبا مدينة بحضارتها للمسلمين " ..!!
وفي كل المجالات يا إخواني ، لا أعني مجالا معينا ، لا أعني فقط مجال العلوم ، والفلك والكيمياء والهندسة وغيرها من العلوم،، ولكن مجال الأخلاق، مجال الحقوق ، مجال التعاملات ، مجال المعاهدات ، مجال الحروب ، الأمة الوحيدة التي أفرزت لفظا غريبا وعجيبا بين حضارات الشعوب اسمه (( أخلاق الحروب )) هو الأمة الإسلامية ..!!
ما عرف العالم هذا اللفظ إلا بعد ظهور هذه الأمة الكريمة ، أمة الإسلام.
أخلاق الحروب ؛ حتى في حربها هناك أخلاق معينة نحافظ عليها – ولعلنا نترقط لبعضها في أثناء برنامجنا إن شاء الله – .
أخلاق الحروب ؛ حتى في حربها هناك أخلاق معينة نحافظ عليها – ولعلنا نترقط لبعضها في أثناء برنامجنا إن شاء الله – .
فالأمة التي لها هذا التاريخ المجيد تعتز بنفسها وترفع همتها ، وتتيه على غيرها من الأمم بهذا التاريخ .
العالم كله يجمل من تاريخه !!
إذا ذهبت لأي دولة من دول العالم تجد المتاحف وتجد المعارض ، وتجد القصص ، وتجد الإعلام... كل ذلك ينظر إلى التاريخ ،، يستلهم من التاريخ انطلاقا للمستقبل ..
وهكذا يجب أن تكون أمة الإسلام ، مع هذه الأهمية القصوى للتاريخ بشكل عام ، ومع هذه أالأهمية القصوى لتاريخ المسلمين بشكل خاص ، إلا أنه مع الأسف الشديد أهمل المسلمون تاريخهم عبر القرون المتتالية ، لا أقول أن الإهمال كان في زماننا فقط ، ولكن للأسف الشديد كان هذا الإهمال على مدار عدة عقود وعدة قرون..!
ولفت هذا نظر بعض علماء المسلمين ، لفت هذا نظر السخاوي رحمه الله ، عندما وجد أن علماء المسلمين يهتمون بالقرآن الكريم وبالسنة المطهرة وبالفقه والعقيدة .. وكل هذه الأمور بغاية الأهمية لا بد أن نهتم بها ، لكنه وجد أنهم يهملون التاريخ.! كتب كتابه المشهور : (( التوبيخ لمن ذم التاريخ )) ، بعض الناس كانت تذم التاريخ ، بعض العلماء كانوا يذمون التاريخ ، يعتقدون أنه مجرد حكايات ، مجرد روايات ، تقال للتسلية ، تقال لقطع الأوقات ، وليس التاريخ كذلك..
إنما التاريخ دراسة ، ودراسة واقعية ، ودراسة حقيقية ، تخرج بالأمة من أزمتها إلى حل مشاكلها ،، تعيد بناء الأمة من جديد على قواعد وأسس سليمة ، على قواعد وأسس ذكرها القرآن الكريم وذكرتها السنة المطهرة ، ثم ياتي بعد ذلك التطبيق الواقعي الذي نراه في صفحات التاريخ المختلفة ..
من هذا المنطلق ندرس التاريخ ، من هذا المنطلق نفهم قول ربنا عز وجل : { فاقصص القصص لعلهم يتفكرون } ..
انظر! هذا أمر مباشر من رب العالمين سبحانه وتعالى ، لو لم يكن لنا نية – في هذا البرنامج – إلا أن ننفذ ما أمرنا به ربنا من قص القصة ، فهذا يكفينا..!
نحن ننفذ أمرا ربانيا مباشرا .. { فاقصص القصص لعلهم يتفكرون } ..
لكن لا بد من التفكر يا إخواني ، لا بد من التدبر .. { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب }..
ذكر ربنا عز وجل في القرآن الكريم قصصا هائلا ، ثلث القرآن الكريم قصص ؛ ذكر قصة موسى عليه السلام ، قصة نوح عليه السلام ، قصةشعيب عليه السلام ، قصة صالح عليه السلام ,,
ذكر قصص الأمم التي صدقت أنبياءها ، وذكر قصص الأمم التي كذبت أنبياءها ,,
ذكر الطالحين ، وذكر الصالحين ,,
ذكر قصة حبيبنا صلى الله عليه وسلم ، غزوة بدر ، وغزوة أحد ، وغزوة الأحزاب ، وغيرها من مواقف مر بها حبيبنا صلى الله عليه وسلم ، ذكرها كلها في القرآن الكريم ، حتى أفرز القرآن الكريم عددا هائلا من القصص التي مرت بالبشرية ،
لكن .. ملحزظة في عاية الأهمية ، أن هذه القصص لم تكن تذكر بالشكل المجر ، إنما كانت تذكر ونضع أيدينا بوضوح على العبرة داخل هذه القصة ، على الدروس المستفادة ، على العظات ,, { فاقصص القصص لعلهم يتفكرون } ..
د/راغب السرجاني ... موقع قصة الإسلام

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق